اللصـة الشريفـة! لم تكمل الخمسة عشرة عاماً، ذكية وتتصف بخيال واسع ومع هذا فقد احترفت الهروب من البيت ، هذه هي هند.. البنت الوحيدة لأسرة فقيرة والدتها لا تراعي عمرها وتعاملها بقسوة اعتقاداً منها أنها تحسن تربيتها، أما والدها فيبيع الخبز اليابس غير مكترث بأولاده سواء من الزوجة السابقة أو من والدة هند، ويتصف بالأنانية. أما إخوتها من أبيها، فالكبير منهم يعمل في جمع القمامة والثاني يتسكع على مفارق الطرق والإشارات الضوئية يبيع المسكة أو يمسح بلور السيارات... أما الثالث فهو لا يزال رضيعاً. أسرة هند المنشغلة بأعمال غير مستقرة دأبها الحصول على قوت يومها لم يتسع لها الوقت لفهمها ولم تعمل على توفير الجو المناسب لها ولا سيما أنها تمر في أخطر مراحل عمرها.. ألا وهي سن المراهقة.. فقد قادها تفكيرها القاصر ذات يوم إلى الهرب.. وغابت عن البيت ثلاثة أيام، اكتفى الأب خلالها بإخطار الشرطة.. رغم أن هند كانت تغير موقع تشردها إلا أن الشرطة استطاعت العثور عليها وسلمتها إلى أبيها.. ولكنها لم تمكث في بيت أهلها إلا أياماً عدة وعادت إلى الهرب ثانية.. فكانت حياتها تشرداً في الشوارع تجلس في الحدائق العامة ومن ثم تنام في بيوت الناس الغرباء.. في كل يوم حكاية جديدة واسم جديد. من التشرد إلى السرقة بعد كر وفر بين الشرطة والأهل تم وضعها في معهد الأحداث علّها تتعلم مهنة.. ولكن وبعد أسابيع قليلة تعلمت السرقة لدرجة أن لوازم وثياب نزيلات المعهد وحتى مديرة المعهد لم تسلم من يدها الخفيفة.. ذات يوم دعت إدارة المعهد أحد رجال القانون ويدعى الأستاذ عصام للقاء النزيلات وإلقاء نصائح وتوجيهات من خلال تجاربه العملية عليهن، علهن يجدن في ذلك العظة والعبرة، وبعد أن انتهى الأستاذ عصام من كلمته التربوية ومن خلال أسئلة النزيلات والحوار معهن... وجد هذا الزائر أن إحداهن تضج حيوية وحركة وتتسم بذكاء ملحوظ.. وفي نهاية اللقاء سأل مديرة المعهد عنها.. فروت المديرة قصة هند وأنها الآن في المعهد بصفة إيداع ولمدة غير محدودة والإدارة بانتظار من يبادر إلى استضافة الفتاة ويشرف على تربيتها ويحسن إليها وما من شرط لدى الإدارة سوى أن تكون هذه لأسرة التي تستضيفها كريمة الأخلاق وحسنة السمعة. أطرق الأستاذ عصام قليلاً واستعرض في ذهنه ما تعانيه زوجته المريضة من أعباء وتذكر إلحاحها المستمر أن يبحث لها عن فتاة وتحت أي عنوان، إن لم يكن للمساعدة في أعباء المنزل على الأقل لتؤنس وحدتها أثناء النهار ولما سألته المديرة عن سبب شرود ذهنه وبما يفكر قال لها: هل أصلح أنا لاستضافتها في بيتي.. وليس عندي سوى زوجتي المريضة؟. وأضاف: لدي ولدان غادرا القطر منذ زمن إلى أمريكا للدراسة وانشغلا بحياتيهما هناك ولم يعودان. وأغلب الظن أنهما لن يعودا لذلك سيكون وجود هذه الفتاة في بيتي بديلاً عن وجود أولادي. انفرجت أسارير مديرة المعهد.. ولم تخف دهشتها ثم سألته: هل من المعقول وأنت ( فلان الفلاني ) أن تقبل في بيتك مثل هذه الفتاة المتشردة، فأجابها وبلا تردد: كل الفتيات اللواتي يقبلن الخدمة في بيوت الناس على شاكلة هند ولا أحد يعرف ماضيهن بينما هند على الأقل ، كلنا يعرف حاضرها وماضيها أيضاً وهذا أدعى إلى ضبط سلوكها.. والإشراف عليها بالتعاون مع أهلها؟؟؟؟ تجاوزت المديرة كل الإجراءات المطلوبة والمنصوص عنها قانوناً في اللوائح والتعليمات نظراً لمعرفتها بشخصية هذا الرجل الكريم واكتفت بتعهد خطي، وقعه أصولاً، توطئة لإعلام أهلها ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ثم نادت المديرة على هند وطلبت منها أن تجمع حوائجها على قلتها لتغادر المعهد برفقة هذا الرجل وتقيم معه في بيته كواحدة من بناته... حليمة عادت لعادتها القديمة المثل الشعبي الدارج يقول: ( رجعت حليمة لعادتها القديمة ) فما أن مضى شهران أو قرابة ذلك على إقامة هند في منزل هذا الكريم الذي استضافها وأطعمها وألبسها وأحسن إليها حتى حنّت لحياة التشرد فغادرت المنزل خفية، فقام الرجل بإبلاغ الشرطة أصولاً دفعاً للمسؤولية المترتبة في إيواء قاصر.. وعادت هند إلى مسيرتها القديمة في التسكع والتشرد والتسول والسرقة.. إلى أن ظهر في طريقها عبد الفتاح. عبد الفتاح رجل متمرس في معاملة الفتيات لا سيما الجانحات منهن منذ أن كان شريكاً في كافيتيريا للذين يبحثون من الشباب والشابات عن مكان يأويهم في عتمة المكان ولو لمدة ساعة من الزمن بعيداً عن الأنظار. ثم تحول إلى سائق تكسي يعمل لحسابه من خلال وردية الليل للبحث عن الفتيات المتشردات ليضمهن إلى قائمة ضحاياه. وجدت هند في شخص عبد الفتاح كل ما يرضي الفتاة المراهقة الضائعة فقادها في تلك الليلة إلى منزله واستقبلتها زوجته التي كانت شريكته في موبقاته، فأحسنت استقبالها وغمرتها بعاطفة لم يسبق لهند أن عرفت مثيلاً لها... وما هي إلا أيام قليلة حتى كان عبد الفتاح يقود هنداً ليلاً إلى منازل الراغبين فيها لقاء مبالغ خيالية، وأصبحت هند لدى عبد الفتاح ( الدجاجة التي تبيض ذهباً ) وانتقلت هند من فتاة متشردة في الشوارع والحدائق تتعاطى السرقة والنشل إلى حسناء يتهافت عليها الرجال...
ذات يوم كان عصام ( رجل القانون ) وزوجته خارج المنزل تلبية لدعوة على الغداء... وما أن عادا إلى الدار ودخلا بعد غياب عنها، استغرق مدة ساعتين أو أقل.. حتى اكتشفا تعرض منزلهما للسطو فباب الخزانة مفتوح..
أسرع عصام يفتش عما كان يخبئه من مال فيها فلم يجده...، وأسرعت الزوجة المسكينة المريضة تبحث عن مصاغها أيضاً فلم تجده..، وكذلك لم يجدا الكثير من الأشياء الثمينة والتحف الذهبية التي خف وزنها المتناثرة هنا وهناك. سرقة غامضة حين حضر رجال المباحث.. أول ما فعلوه أن أخذوا البصمات المحتمل وجودها على مقابض الأبواب وكذلك بصمات الأقدام.. وراحوا يفحصون أقفال الأبواب ومنافذ الشقة من كل مكان... فلم يعثروا على ما يدل دخول إنسان غريب ومما زاد غموضاً تقرير المخبر الجنائي وما جاء فيه، من أن لا بصمات واضحة تدل على هوية أصحابها... من الأمور التي وقف عندها رجال المباحث أن اللصوص لم يعبثوا بمحتويات المنزل بحثاً عن المسروقات.. كما اعتادوا أن يفعلوا، فكل الذي وجدوه أن أحد أبواب خزانة الملابس هو المفتوح دون بقية الأبواب، كما أن درج الطاولة اليساري الأعلى قد تم خلعه بأداة .. ( بمفك براغي ) أو ما شابه ذلك دون بقية الدروج، وهذه المشاهدات هي من الحقائق التي تؤكد أن اللص يعرف المكان جيداً وأين توضع الأموال أو المصاغ، أما بقية المسروقات الذهبية الثمينة، فهي تماثيل ( و فازات ) بادية للعيان، لا تحتاج إلى الكثير من البحث والتفتيش. أمام هذه الصورة اتجه ذهن رجال المباحث أن يكون السارق واحداً من أهل الدار أو الأقارب الشديدي الصلة بالأسرة، أو أن يكون الإدعاء بالسرقة أمراً مفتعلاً لأسباب يجهلها رجال المباحث في الوقت الحاضر. واستمع رجال المباحث إلى أقوال عصام وزوجته وعما إذا كان يشتبهان بأحد... فنفى كل منهما الشبهة بأحد وأضافا أن ما من أحد يزورهما إلا في المناسبات والأعياد وبدت جريمة السرقة أنها لغز حقيقي وأن اللص على غاية من الذكاء بحيث أنه خطط لها ونفذها ولم يترك وراءه أثراً يدل عليه ووجد رجال المباحث أنفسهم يسيرون في طريق مسدود.. لولا أن ما ورد على لسان زوجة الأستاذ عصام وبشكل عفوي وعابر اسم الفتاة ( هند ) وعندما سأل رجال المباحث وبلهفة من تكن هذه الفتاة راح عصام يشرح لهم كيف أتى بها من معهد الفتيات لخدمة المنزل وكيف أنها هربت.. ومن أنه وقتئذ أخبر الشرطة وأنه لا يعلم ماذا حدث للفتاة بعدئذ.. استمع رجال المباحث إلى ما يرويه الأستاذ عصام بإصغاء شديد وهم في عجلة من أمرهم، لأنه ظهر لهم بصيص ضوء سيقودهم إلى كشف غوامض الجريمة ولم يغامرهم أدنى شك أن اللص الذي دخل الدار هي تلك الفتاة واسم الفتاة لم يكن غريباً عن مسامعهم فهي ( زبونة ) قديمة لديهم من تشرد وسرقة وهروب من دار الأهل، إذن عليهم أن يبحثوا عن ضالتهم بأسرع ما يمكن. مفاجأة غبر منتظرة لم يطل الأمر كثيراً برجال المباحث فقد استطاعوا الوصول إلى هند ولكن المفاجأة التي ألجمتهم عن توجيه التهمة إليها.. أنهم وجدوها موقوفة بجرم تعاطي الدعارة بتاريخ يسبق تاريخ وقوع سرقة منزل عصام بزمن الأمر الذي ينفي عنها ارتكاب الفعل لا بل يجعل من السؤال الموجه إليها بهذا الصدد مجرد نكتة سخيفة وساذجة. كانت هند موقوفة بجرم تعاطي الدعارة في معهد الفتيات ولا تعرف شيئاً عن موضوع سرقة منزل مخدومها السابق الأستاذ عصام إطلاقاً ولكن عندما حضر رجال المباحث إلى إدارة المعهد ترامى إلى سمعها ومن خلال ما نقلته إليها بعض المستخدمات من أن حضورهم إلى المعهد كان الأمر يتعلق بها وتبادر إلى ذهنها أن الأمر يتعلق حصراً بأحد السواح الخليجيين الذي سبق وسرقت محفظته المليئة بالعملات الأجنبية في تلك الليلة استضافها في شقته. وكم كان ارتياحها عظيماً حين عرفت أن حضور رجال المباحث لم يكن للبحث عن محفظة النقود، إذن لماذا حضر رجال المباحث إلى إدارة المعهد وسألوا عنها؟. وفي خطوة جريئة طلبت هند مقابلة مديرة المعهد، ومن خلال اللقاء عرفت هند أن منزل مخدومها السابق قد سرق وأن قيمة المسروقات بالملايين عادت هند بذاكرتها إلى تفاصيل علاقتها مع سائق التاكسي عبد الفتاح وتذكرت كيف كان عبد الفتاح يسألها بكثير من اللف والدوران عن تفاصيل منزل مخدومها عصام وعن تفاصيل الحياة التي كانت تعيشها وبحركة لا شعورية مدت يدها إلى جيبها وأخرجت حزمة المفاتيح تتفقدها واحداً واحداً... وكم كانت الصدمة قوية حين لم تعثر على مفتاح شقة الأستاذ عصام الذي بقي معها وغادرت منزله تلك الليلة عائدة إلى حيث كانت تتسكع سابقاً... وأطرقت رأسها وراحت تفكر بصمت.. ولما سألتها مديرة المعهد عن سبب شرودها وعما تفكر به، رفعت رأسها بهدوء وبكلمات مفعمة بالثقة قالت: إنه عبد الفتاح يا سيدتي. لم يصمد عبد الفتاح كثيراً أمام رجال المباحث ولا سيما حين وجدوا في منزله المسروقات واعترف بكل التفاصيل وكيف كان يرسم ويخطط لسرقة منزل الأستاذ عصام منذ أن بدأت تحدثه هند عن ثرائه. حين جاء عصام إلى مقسم الشرطة ليستعيد المسروقات والمتبقي من المال.. طلب أن يقابل الموقوفة هند وعندما إلتقاها سألها لماذا أخبرت عن عبد الفتاح ومكنّت رجال المباحث من إعادة المسروقات، فأجابت بهدوء وهي تبتسم: لقد عودتني الحياة أشياء سيئة كثيرة يا سيدي... ما عدا أمر واحد ( لا أعض اليد التي أحسنت إلي)
WAEL AL_SALAHI جديد
عدد المساهمات : 17نقاط : 19
Subject: Re: اللصه الشريفه Tue Mar 29, 2011 10:17 pm